شانديار حسن

في غالب النقاشات أو الجدالات بين العامة (ولا أعني التصغير منهم ) تكون صاخبة ومليئة بعبارات القذف والاستدلال بأشباه العلم وطبعاً الكثير من المبالغة و يمكن أن تصل في بعض الأحيان إلى مشاجرات، قد تجده وصفاً هزليا و لكن هذا هو الواقع و كل شخص منا قد مر في مثل هذه التجربة، يجدر بك أن تعود بذاكرتك للوراء قليلاً لتتذكر إحدى تلك المواقف هذا إن
لم تكن قد تذكرت فعلا .
الآن قد تذكرت إحدى تلك النقاشات العقيمة فقد ترد الكثير من العبارات المتكررة في المواقف كهذه ، مثل ( أنت عنيد و تصر على رأيك الخاطئ ) أو ( لماذا لا تعترف بخطأك ؟ ) أو أي شيء من هذا القبيل. هي تتكرر بدون استثناء في كل النقاشات العقيمة كما أنها النقطة الفاصلة بين النقاش و العراك اللفظي و يمكن أن تكون أيضاً مفتاح لفهم جزء من هذه الظاهرة. فالجمل السابقة تحمل مفارقتين في طياتها، وسميتها كما أفضل: مفارقة الحوار و مفارقة الرأي مفارقة الحوار هي أقرب إلى سوء فهم أصطلاحي وهي كون النقاش او الجدال او الحوار خرج من معناها ، ففي الأصل هدف الحوار او النقاش او الجدال الوصول إلى مفهموم مشترك أو نتيجة مشتركة سواء كانت محايدة أو معتمدة على رأي أحد الأطراف للوصول لفهم واضح لمشكلة أو ظاهرة ما ، فإذا هي شبه معادلة تطبق للوصول إلى نتيجة، ولكن في واقع المناقشات الآن هي حادث عن هدفها و غدت محاولة كل طرف أن يبين كونه الأصح و الأوضح فهماً للمسألة و ان الطرف الآخر جاهل .
النقطة الثانية هو كون الأدلة في أي نقاش أو حوار تكون محايدة متاحة للجميع أي أنها عائدة لرأي أطراف النقاش عليه، فإذا وجهات النظر تختلف في تحليل للأدلة و الإحداثيات المشتركة بين الطرفين وهي ثابتة ومتاحة للجميع ، أما في واقع الحوار جزء كبير من وجهات النظر تعتمد على معلومات منقولة بشكل خاطئ أو هي خاطئة في الأساس و في أحسن الأحوال تعتمد على جزء صغير جداً من الحقائق الصحيحة ، لذلك تلاحظ اختلاف كبير في وجهات النظر وبذلك من المستحيل الوصول إلى نقطة مشتركة المفارقة الثانية، مفارقة الرأي وهي ببساطة أنه لا أحد يتبنى رأياً يعرف أنه خاطئ ، فكل شخص يؤمن بطريقته في التفكير و يعتمد على تحليله وهو بالتالي موقن بأن كل نتيجة يصل لها هي صحيحة لذلك يدافع عنها فمن المتوقع أن يظن نفسه على صواب و يتمسك برأيه كونه موقن بأنه صحيح و بسبب عدم معرفته بقصور العقل البشري، ويزيد هذا التمسك و اليقينية كلما تدني المستوى الثقافي للشخص؛ ولهذا تجد هذا السجال في الأوساط البعيدة عن الثقافة ، عملية تناسب عكسي فكلما قلت الثقافة، ازداد التمسك والعناد على الرأي و عدم تقبل النقد. وعلي التنويه أن لا علاقةبين الشهادات و الثقافة فقد تجد حتى حامل الشهادات جاهلا بالثقافة العامة و ثقافة الحوار .
وفي نفس الوقت يجب أن لا ننكر أنه من الممكن وجود طرف قريب للحقيقة حقاً أو هو الأصح على الأقل و من الطبيعي أن يتمسك برأيه وفي هذه الحالة ينفصل الطرف الثاني عن الواقع وتسيطر عليه فكرة أنه المغلوب عليه و يحاول دحض هذه الفكرة بأي شكل، ظناً منه أنها هزيمة فيبدأ بالصراخ وتكرار جملة ما… أنت عنيد و ما إلى ذلك من دفاعات واهية ، و عند هذه النقطة يكون غالباً قد أدرك أنه على خطأ.
طبعاً هناك الكثير من العوامل الأخرى مثل كون أحد الاطراف كبيراً في السن او أكبر بين الجماعة ، يكون النقاش محسوماً لصالحه دائماً حتى و إن كان غير صائب فقط كون العادات والتقاليد تفرض هذا ، ولكن يمكنك الاعتماد على ما سبق لتلاحظ متى بدأت أحد المفارقتين تتحقق فتدرك أن وقت الانسحاب قد حان لأن المفارقة الثانية ستتحقق لا محالة، الاستمرار في جدال تحقق المفارقتين يكون مدعى إلى السخرية و تقلل من شأنك أكثر بكثير مما تبين صحة آرائك و وجهة نظرك .







