مثال سليمان

توطئة،
الصداقة بين الرجل والمرأة، حلمٌ يحلّق بلا أجنحة، إن تجاوزت حدودها، تحطمت وإن احترمتها، استمرّت بلا نهاية..
توجد العديد من الأسئلة الجوهرية التي لا أتوقف عن طرحها أو التفكير بماهيتها. أشعر وكأنني أنتظر على الدوام ما يدفعني للبحث فيها ومن ثم الكتابة عنها. من بين هذه الأسئلة: إمكانية الصداقة بين الرجل والمرأة!؟ رغم أنها واحدة من العلاقات التي تربطنا نحن البشر ببعض، سواء كأفراد أو جماعات. إلا أنّه هذا السؤال لا يزال يثير الجدل لدى البعض، حيث يرى أن الصداقة ما هي إلا مضيعة للوقت وتبني مفاهيم مغلوطة حول العلاقة بين الجنسين، حيث يُنظر دائما إلى هذه العلاقة من منظورٍ جنسي أو عاطفي، مما يقلل من إمكانية تقدير الجانب الإنساني في العلاقات عامة، في حين أن البعض قد يختبر تجارب الصداقة مع الجنس الآخر بشكل ناجح ويجد فيها مساحة من الدعم والتفاهم دون وجود نوايا خفية وثمّة آخرين يظلون متأثرين بالصور النمطية والمعتقدات المجتمعية التي تقف عائقاً أمام هذا الشكل من الصداقة ومن ثم إطلاق مصطلح الـ( فريندزون) و اختلاق مشكلة في فكرة أن الرجل او المرأة لا يمكن أن يقبلا مجرد الصداقة إذا لم يكن هناك توجه رومانسي. ولكن هل من العدل الحكم على علاقة ما بهذه المعايير؟ و لماذا لا يكون ثمة أفق أوسع في تنوع العلاقات بين البشر بعيداً عن التقسيمات العاطفية والجنسية؟
والذي دفعني حقيقةً إلى الكتابة اليوم حول هذا الموضوع ” قامة أدبية” نقلت لي عن البعض موقفهم السلبي تجاه هذه الصداقة والتي عكست بالتأكيد رؤيته المتجذرة في الثقافة المجتمعية السائدة التي ترى أن أي علاقة بينه وبين امرأة لا يمكن أن تخلو من الدوافع الرومانسية أو استغلاله كرجل من قبل الطرف الآخر …
إمكانية الصداقة بين الرجل والمرأة !؟
يمكن أن تكون هناك صداقة بين الجنسين، لكن هذا يعتمد على السياق والشخصيات المعنية. إذا كانت العلاقة مبنية على الاحترام المتبادل، وكانت الحدود واضحة، والنوايا صادقة، فإن الصداقة بين الطرفين يمكن أن تزدهر. الوضوح في النوايا واحترام خصوصية كل طرف يعزز من قوة هذه العلاقة.
وثمّة من يعتقد أن الصداقة بين الرجل والمرأة قد تكون معقدة بسبب احتمالية التداخل العاطفي أو سوء الفهم. إلا أن هذه المخاوف تزول إن كانت النوايا واضحة ومبنية على الاحترام، مما يجعل هذه العلاقة قوية ومستدامة مثل أي صداقة أخرى.
تؤكد العديد من الدراسات في علم النفس والاجتماع أن هذا الشكل من الصداقة ممكنة إذا كانت مبنية على الاحترام المتبادل والحدود الواضحة. العلاقة التي تقوم على وضوح النوايا وتحديد التوقعات تكون أكثر استدامة وأقل عرضة للتعقيدات التي قد تنتج عن احتمالية تداخل المشاعر.
علم النفس يشير إلى أن هذا النوع من الصداقة مع احتمالية مواجهة تحديات مثل اختلاف التوقعات أو الشعور بالتوتر الناتج عن الجاذبية بين الجنسين، لكن طالما كانت النوايا واضحة وتم وضع الحدود، فإن العلاقة يمكن أن تكون صحية وتستمر لوقت طويل.
الفلسفة ونظرية الصداقة:
تطرقت كل من الفلسفتين الكلاسيكية والحديثة إلى مفهوم الصداقة بين الجنسين. أفلاطون مثلاً، في حواره “المأدبة” تحدث عن الحب والصداقة التي تتجاوز الجوانب الجسدية، لتكون علاقة روحية وفكرية بحتة ويرى أن أسمى أنواع الصداقة ليست مرتبطة بالحب الجسدي، بمعنى أن الصداقة الحقيقية تتجاوز الانجذاب الجسدي. كما وأشار أرسطو في “الأخلاق النيقوماخية” إلى أن الصداقة المثالية/ صداقة الفضيلة الأسمى هي تلك التي تقوم على حب الخير المتبادل وليس على دوافع أنانية. هذا النوع من الصداقة يمكن أن ينجح بين الرجل والمرأة إذا كان الهدف منها النفع المشترك دون توقعات رومانسية ليحدد بذلك ثلاثة أنواع من الصداقة: صداقة المنفعة، صداقة المتعة وصداقة الفضيلة
ومن فلاسفة الحداثة: تحدث من فلاسفة الوجودية كل من سارتر ودي بفوار ؛ الذين جمعتهما صداقة عميقة وعلاقة معقدة على مدار حياتهما؛ عن إمكانية أن تكون العلاقات الإنسانية حرة وغير مقيدة بتوقعات المجتمع التقليدية، ما يعني أن الصداقة ممكنة إذا كان الطرفان يتعاملان على أساس الاحترام والاعتراف المتبادل.
الأديان والمجتمع:
تختلف آراء الديانات حول موضوع الصداقة بين الرجل والمراة بناءً على تعاليمها وقيمها الثقافية. عموماً، معظم الديانات تنظر إلى هذه العلاقة بحذر كما وتلعب دوراً كبيراً في تشكيل نظرة المجتمعات إلى الصداقة بين الجنسين. في الإسلام والمسيحية واليهودية، هناك تركيز على الاحتشام ووضع حدود أخلاقية واضحة بين الرجل والمرأة لحماية الفضيلة وتجنب الفتن. هذه الديانات لا تمنع الصداقة بشكل قاطع، لكنها تحث على التعامل بحذر وفقًا لضوابط محددة تحمي من الانجراف إلى ما هو غير أخلاقي.
في المجتمعات الشرقية، وخاصة تلك التي تتسم بالطابع المحافظ، تُنظر إلى الصداقة بين الرجل والمرأة بشيء من الحذر والشك. تلعب القيم والتقاليد الاجتماعية دوراً كبيراً في تقييد مثل هذه العلاقات. العائلة والمجتمع غالباً ما يضعان رقابة على هذه الصداقات خوفاً من تجاوزات محتملة، على الرغم من أن الأجيال الشابة قد بدأت تتقبل هذه العلاقات بشكل أكبر في ظل الانفتاح الثقافي.
التحديات النفسية والاجتماعية:
من الناحية النفسية، قد يجد الرجل صعوبة في الفصل بين مشاعر الصداقة والجاذبية العاطفية أو الجنسية. وفي المجتمعات الشرقية، يعاني الرجل أحياناً من ضغوط اجتماعية تفرض عليه توقعات تقليدية تجاه علاقاته مع المرأة. من جهة أخرى، المرأة قد تشعر بالشك تجاه نوايا الرجل في هذه العلاقة، متسائلة ما إذا كان هدفه الحقيقي هو تطوير علاقة رومانسية.
ومع ذلك، فإن التغيرات الحديثة والانفتاح الاجتماعي يجعلان الصداقة بين الجنسين أكثر قبولاً في المجتمع الشرقي، خاصة بين الأجيال الشابة. النساء الشابات اليوم أكثر انفتاحاً على فكرة الصداقة مع الرجل، خصوصاً في بيئات مثل الجامعات وأماكن العمل التي تسمح بتفاعل اجتماعي أكبر.
ختاماً، يمكن القول إن الصداقة بين الرجل والمرأة ممكنة، لكنها تتطلب وضوحاً في النوايا والاحترام المتبادل. كما أن النجاح في مثل هذه العلاقات يعتمد إلى حد كبير على ثقافة الأفراد والمجتمع المحيط بهم. بينما قد يواجه الرجل والمرأة في المجتمعات الشرقية تحديات أكبر في بناء صداقات نظراً للتقاليد المحافظة، إلا أن الانفتاح الحديث قد يساهم في تغيير هذه النظرة تدريجياً.
الاحترام المتبادل، الثقة، وضوح الحدود، والالتزام بالقيم ،الأخلاقية هي عوامل أساسية لإنجاح هذه الصداقة وجعلها تجربة إيجابية للطرفين.
هامش:
” بين الرجل والمرأة ودادٌ إن جرى في طُهره، لا يمسه طائفٌ من الهوى، فإن زاغت القلوب، كان النأي أحرى، تلك حدودٌ لا تبديل لها، يُحفظ بها الصفاء ويُصان بها الوداد عن الفتنة“
١- الفريندزون: مصطلح يشير إلى الحالة التي يكون فيها أحد أطراف الصداقة يتمنى أن يدخل في علاقة عاطفية مع الآخر، بينما الطرف الثاني لا يريد ذلك.
٢- المأدبة فلسفة الحياة: المحاورة الأفلاطونية التي تشتمل على أفانين من الفن والأدب والفلسفة.
٣- الأخلاق النيقوماخية: واحدة من أشهر أعمال الفيلسوف اليوناني أرسطو، وتُعد من أهم النصوص الفلسفية الأخلاقية.







