جان بابير

تجربة الهجرة والاغتراب تركت أثرًا عميقًا على هويتي الأدبية، حيث بات الإحساس بالانتماء المزدوج حاضرًا في كل ما أكتبه. أضافت الهجرة إلى نصوصي طابعًا يمزج بين الثقافات، وأثرت على أسلوبي بإدخال عناصر جديدة من اللغة والرموز والتقاليد التي اكتسبتها عبر رحلتي. أصبحت أكثر اهتمامًا بتفاصيل الهوية الإنسانية، والتحولات النفسية والوجدانية التي يولدها الاغتراب. ومع ذلك، فإن ذاكرتي الأولى لا تزال حاضرة بقوة، وكأنني لم أبرح مكاني يومًا، إذ تظل تفاصيل الماضي جزءًا لا يتجزأ من كتاباتي.

للأدب دورٌ فريدٌ في بناء جسور بين الثقافات، إذ يتيح فرصة للتقريب بين المجتمعات المختلفة من خلال تسليط الضوء على القواسم المشتركة، وفي الوقت ذاته تعريف الآخر بهويتنا الأصيلة. إنه يقدم سردًا إنسانيًا يتجاوز الصور النمطية، ويعزز التفاهم والتعاطف، مما يفتح أفقًا أوسع للتواصل بين الحضارات.

أما الحنين إلى الوطن، فإنه يتجلى في كتاباتي عبر استحضار تفاصيل الحياة اليومية والأماكن والذكريات المرتبطة بالماضي. غالبًا ما أمزج بين الوصف الشعري والسرد الذي ينسج الخيال بالواقع، ساعيًا لإعادة خلق تجربة الوطن في نصوصي. ورغم أن الكتابة تساعدني على تفريغ هذا الشعور، فإنها في الوقت ذاته تُعمّق الإحساس بفقدانه. استدعاء الوطن في النصوص يجعل المسافة النفسية أكثر وضوحًا، وأكثر ألمًا.

في أدب المهجر، أتناول قضايا متعددة مثل الهوية، الاندماج الثقافي، حقوق المهاجرين، والاغتراب النفسي، إضافة إلى القضايا السياسية المرتبطة ببلدي الأم، كالسعي لتحقيق العدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان. الحرية التي منحني إياها المهجر أتاحت لي تناول هذه القضايا بجرأة أكبر، بعيدًا عن رقابة الخوف أو القمع. أصبحت أكثر قدرة على طرق أبواب المسكوت عنه، سواء تعلق الأمر بالجنس، الدين، أو السياسة، مقدّمًا رؤًى أكثر شفافية وواقعية.