أدب المهجر…!

قيرين عجو

دائمًا ما نستيقظ بين ليلة وضحاها على واقع جديد، سواء شئنا أم أبينا، واقع يفرض نفسه علينا دون أن نكون مستعدين له، لكنه بمرور الوقت يصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا. وبالنسبة لي، كانت تجربة الغربة والاغتراب من أبرز المحطات التي أثرت بشكل مباشر على أفكاري وأسلوبي في الكتابة، وألقت بظلالها على مقالاتي ونصوصي. لقد أضفت هذه التجربة بُعدًا جديدًا إلى كتاباتي، التي باتت تنبض بالحنين والشعور بالاغتراب، وتتحدث عن السعادة المبتورة، تلك السعادة التي لا تكتمل.

يلعب الكاتب دورًا محوريًا في بناء جسور التواصل بين الثقافات المختلفة، إذ يسعى إلى إيجاد نقاط التقاء تجمع بينها، ليخلق من هذا الاندماج ثقافة جديدة ورؤية أعمق وأكثر شمولية. ومن هذا المنطلق، كانت الكتابة بالنسبة لي وسيلة حيوية لتخفيف وطأة الشعور بالغربة، وزاوية حرة أُعبِّر من خلالها عن آلام الاغتراب وهمومه. فهي ليست مجرد أداة للتعبير، بل منفذ لتسليط الضوء على ما يعتمل في داخلي من ألم أو حنين أو شوق.

تتخذ كتاباتي أشكالًا متعددة، من الشعر إلى القصة، ومن المقالات الفكرية إلى النقدية. وقد شكلت جميعها وسيلة أساسية للتعبير عن شخصيتي وهويتي، وعن معاناة الغربة وما تحمله من أوجاع. الكتابة هي مساحة لطرح الأسئلة العميقة، والبحث عن إجابات قد تكون رسالة أو صرخة وجع، أو حتى نافذة تعبر من خلالها المشاعر المكبوتة إلى النور.

القضايا التي أتناولها في كتاباتي غالبًا ما تنبع من هموم اجتماعية وإنسانية، إضافة إلى قضايا فكرية ونقدية. أركز بشكل خاص على هويتي الكردية، مسقط رأسي، والحب الذي غرسه أهلي فينا، وتأثير الطبيعة والمكان والمصطلحات المحلية والتراث على شخصيتي وكتاباتي. كما أن للتجارب الشخصية حضورًا قويًا في نصوصي، إذ أجد فيها المادة الأكثر صدقًا للتعبير عن ذاتي.

إقامتي الجديدة فتحت لي أبوابًا للتعبير بحرية أكبر عن أفكاري دون قيود، ووفرت لي فرصة المشاركة في ملتقيات ثقافية ومهرجانات أدبية وفعاليات متنوعة. كذلك كان للمواقع الأدبية الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي دور بارز في إيصال صوتي. كانت هذه المنصات نافذة واسعة سمحت لي بإظهار ما أخفيه من مشاعر والتعبير عنها بجرأة وصدق.

أعتقد أن هذه المشاركات الأدبية والثقافية كانت منفذًا ثمينًا، ساعدني على تفريغ المشاعر المدفونة، وتحويل آلام الاغتراب إلى نصوص تنبض بالحياة، تُحاكي الآخرين وتفتح أفقًا للتواصل الحقيقي.