أول أيام الربيع،نوروز بعث روح الحرّية على امتداد الزمن .
لهنك إبراهيم

ولادة نوروز:
تعددت الآراء حول نشأة نوروز من روايات كُردية وفارسية مختلفة، مابين الأصل الفلكي كأول يومٍ الذي يتساوى فيه الليل مع النهار والأسطوري من خلال أسطورة كاوا الحدّاد وماذُكر في هذا الشأن في الشاهنامه ونوروزنامه، إلى أن تبلورت كيوم قوميّ عند الشعب الكُردي وفق آراء العديد من الباحثين والكتّاب الكُرد في العصر الحديث ك كورديي بدليسي Kurdiyê Bitlisî، وآسيري Esîrî، وبيري مرد Pîremêrd، ومستورا أردلاني Mesture Erdelanî.
يعتبر هذا العيد اليوم عيداً لكل الشعوب الآرية في إيرانشهر وآسيا الوسطى وتتمايز ماهيته مابين الروايات، الفارسية التي تراه كتقليد ثقافي، والكُردية التي تراه كيوم قومي ويحمل بّعد سياسي أكثر مما هو ثقافي وتقليدي.
عيد نوروز المميز بطقوسه المميزة حيث وهبت الروح للطبيعة على امتداد طبيعة كُردستان الجميلة، ورَونقة هذا اليوم بالألبسة المزركشة الجميلة ،وبأهازيخ وأغاني لُحنت احتفاءً بهذا اليوم، يوم انقشاع الحرّية المقدسة منذ مهد البشرية والتاريخ.
إلى جانب الكُرد يحتفل العديد من الشعوب المجاورة بهذا اليوم كالفرس والباشتون والطاجيك والبلوش والأوزبك و….الخ، على امتداد واسع في جغرافية غرب القارة الآسيوية ووسطها.
يحتفل الشعب الكُردي بكل السنة الميلادية وفي أول أيام من التقويم الكُردي 2725 (هناك اختلاف حول هذا التاريخ،هناك من يعتبره يوم سقوط الدولة الآشورية على أيدي الميديين) الذي يوافق هذا العام الميلادي 2025، حيث يوافق هذا العام عام تأسيس الإمبراطورية الميدية عام 700 ق.م، والجدير بالذكر هناك رواية ترجع هذا اليوم إلى يوم سقوط الإمبراطورية الآشورية على يد الميديين.
▪︎ نوروز والضحّاك في الأدبيات الزرداشتية:
بحسب بانداش _ الخلق الأولي أو الأساسي المكتوبة باللغة البهلوية في علم الكون الزرداشتي _ أنّ الضحّاك كان له مكان في بابل ،وفي كتاب دينْ كَرد _ أعمال دينية أيضاً باللغة البهلوية حول تعاليم الدين الزرداشتي_ الضحّاك هو رجل عربي يقود الكون إلى الهلاك وأنّه فعل أشياء غير عادية في بابل بالسحر، وأنّه حاول إغواء الناس بدعوتهم إلى عبتدة الأصنام ،وأنّه هزم من قبل فريدون . وبحسب النصوص البهلوية فإنّ الضحّاك هو مروّج ومؤسس الدين الباطل كمعارض للدين المازدي الحقيقي. ويُذكر أيضاً في دينْ كَرد أنّ الضحّاك هو الذي جلب الدين الباطل والحرام إلى الأرض وهكذا قاد الناس إلى الأذى.
▪︎ أسطورة كاوا الحدّاد:
التي تعددت روايتها بحد ذاتها وفقاً للتسلسل الكرونولوجيّ، حيث تقول الأسطورة بإنّه كان هناك ملك اسمه ازدهاك(الضحّاك)1 – بحسب الرواية الكُردية كان ملك آشوري – وأنّ هذا الملك لُعن هو ومملكته بسبب شرّه المطلق، فرفضت الشمس أن تُشرق، أما هو فكانت لعنته عبارة عن نتوئين على أكتافه كرأسي أفعى، فعندما تجوع تلك الأفاعي يشعر بألم شديد لا يُسكنه سوى التهام الأفاعي لأدمغة الأطفال؛ ولهذا كان كل يوم يقتل طفلين من أطفال القُرى، وتُقدم أدمغتهم لأفاعي الملك المتصلة بأكتافه.
ضحّى كاوا الحداد بخروفِ وقدم دماغه إلى الملك لم يُدرك الملك أو جنوده بالخطة وعندما سمع الأخرون بخدعة كاوا قرروا السير على خطته ، وفي الليل كانوا يُرسلون أطفالهم إلى الجبال مع كاوا، فنشأ وعاش الأطفال في الجبال بأمان.
صنع كاوا مع مرور الوقت جيشاً من الأطفال لإنهاء عهد الملك الشرير عندما أصبحت اعدادهم عظيمة بما فيه الكفاية ، وفي أحد الأيام نزلوا من الجبالِ واقتحموا القلعة طالبين وضح حد لظلم وطغيان الملك ، واستطاع كاوا أن يقتل الضحاك ، ولإيصال الاخبار الى سكان بلاد ما بين النهرين بنى مشعلاً كبيراً أضاء السماء وطهّر الهواء من شرور الضحاك ، وفي الصباح عادت الشمس لتشرق من جديد، وبدأت الأراضي والنباتات بالنمو مرة أخرى، فكانت البداية ليوم جديد أو نوروز، وأصبح ذلك اليوم عيداً للخلاص من ظلم الضحّاك واستعباده للناس.
▪︎ نوروز في رواية تأسيس الإمبراطورية الميديّة:
أمّا في رواية كُردية أخرى فتقول أن يوم أو عيد نوروز يعود إلى ظهور الإمبراطورية الميدية حوالي عام 700 قبل الميلاد. وفقًا للأسطورة الكردية، قتل كاوا الحدّاد وأسلافهم زهاك الضّحاك، الطاغية. ولكي ينشر الخبر عن نجاحه، أشعل نارًا على جبل، وكان ذلك يومًا جديدًا للكُرد وجميع المجموعات العرقية الآرية الأخرى.
بعد ذلك، تم اختيار دیاکۆ من قبل سبع قبائل كردية لتأسيس الإمبراطورية الميدية، ونجح في بناء ذلك. ويتم الاحتفال بهذا الحدث سنوياً في زمن الاعتدال الربيعي.
▪︎ نوروز في رواية الفردوسي لنوروز في رسالته (شاهنامه):
وقد ورد ذكر نوروز في قسم “جمشيد” من الكتاب. يُقال إن نوروز هو عيد اليوم الذي يُعظم فيه تاج جمشيد ،حيث يسمى اليوم الذي جلس فيه جمشيد على العرش وأشرق كالشمس بيوم النوروز.
إلا أنّه يذكر أسطورة كاوا في قسم آخر من الكتاب دون التطرق إلى يوم نوروز في قسم الضحّاك الذي يستولي على عرش جمشيد الذي تسلّط في حكمه لينهار فيما بعد ويسير كل شيء على نحوٍ خاطئ ، حيث يُعتقد بحسب الرسالة أنّ الله أرسل الضحاك كمتاعب له. فيتغلب على جمشيد، فيتنكر الشيطان في هيئة طبّاخ لقصر الضحاك. حتى مايبرح يفوز بقلبه بأكله المتنوع يريد الضحاك أن يكافئه يقول أن أمنيته الوحيدة هي تقبيل أكتاف الضحاك ويقبل الضحاك ذلك. وتبع ذلك أعجوبةً نما من أكتاف الملك ثعبانان أسودان. يقطع الضحاك الثعابين لكنه ينمو مرة أخرى من المكان الذي قطعه. ومن ثم، يتنكر الشيطان في هيئة طبيب وينصح الضحاك بالسماح للثعابين بأكل دماغ الإنسان، حيث يقدم فيما بعد كل يوم دماغين لشابين للثعابين، يبدأ شخصان طيبان العمل في القصر كطهاة. عندما يرون شابين يُحضران للقتل، يشعرون بالأسى عليهما، فيقتلان أحدهما فقط، ويقدمون مكان دماغ الآخر دماغ الخروف . ويذهب هؤلاء المحررون إلى الجبال والسهول للاختباء هناك، وبحسب الشاهنامه يتشكل منهم النسل الكُردي.
يرى الضحاك في حلمه شخصاً يدعى أفريدون من سلالة الملوك ينهي حكمه، بدأ الضحاك بالعدة والعديد ويدعوا الأعيان ليوقعوا وثيقة تفيد بأن الضحاك رجل نزيه وعادل. وبينما كان “الأعيان” يوقعون الوثيقة، لأنهم يخافون من الضحاك، يأتي حدّاد اسمه كاوا إلى القصر ويطلب من الضحاك أن يحافظ على حياة ابنه، الذي سيقتل للسماح للثعابين أكل دماغه.
يقبل الضحاك رغبة كاوا لكنه يأمر كاوا بالتوقيع على الوثيقة التي وقعها الأعيان. ومع ذلك، بعد قراءة ما هو مكتوب على الوثيقة، يرفض كاوا التوقيع، ويصرخ على الأشخاص الذين وقعوا عليها ويغادر القصر. بعد مغادرته هناك، يبدأ كاوا انتفاضة ضد ضحاك، ويذهب فيما بعد مع رفاقه إلى فريدون.
ليعلنوا بعد ذلك الحرب علىالضحاك، وبجانبه كاوا يحمل رايته، بعد قتال طويل، يُهزم الضحاك ويُحبس وبذلك أصبحأفريدون ملكًا ويسمى هذا اليوم بالمهرجان .
▪︎ نوروز في نوروزنامه عمر الخيّام:
يذكر عمر الخيّام في رسالته نوروزنامه، أن كيومرث أول ملوك الفرس لما اعتلى العرش، أراد أن يضع أسماء لأيام السنة والشهور، وينشئ لها تاريخ ليعرفها الناس، وفي اليوم الذي دخلت فيه الشمس برج الحمل، جمع موابذة العجم، وأمرهم أن يبدءوا التاريخ من تلك اللحظة، وجعل كيومرث هذا اليوم بداية للتاريخ، وعلمه وجعله عيداً، وأخبر العالم ليعرفه الجميع، ويحتفلوا به، وعندما أدرك جمشيد ذلك اليوم، سماه النوروز واحتفل به، واتبعه خلفائه من الملوك.
إلى جانب كل هذه التفسيرات، هناك مراجع ومصادر يربط هذا اليوم بيوم الزكموك السومري والكيتو البابلي ،ولا يجب أن ننسى ذكره في ملحمة مم وزين حيث التقيا في يوم نوروز وفي قصائد الشاعر الكُردي أحمد خاني (1650 _ 1707 ) الذي تطرق إلى مراسيم نوروز عند الكُرد .
الهوامش:
- الضحّاك في المصادر الإسلامية، وفي الآفستائية آزي دهاكا Azi Dahâka وآزي تعني الأفعى أو آزدار Ejder، في الأدب الفارسي آزداها Azdahâ ، وفي المصادر الأرمينية آزدهاك Azdahak ، وفي اللغة البهلوية آزدهاك Az Dahâg، وأيضا لها صلة مع السنسكريتية داهّاكين Dahhakîn أي الإنسان. في الرواية الشعبية في الأدب الفارسي الضحّاك هو ملك عربي وفي التراث العربي يُعرف باسم آشوربانيبال ،ولقبه بايفارآسب Baevaraspa ،مذكورة باسم بياراسب Biyaresb في الشاهنامه ،وباسم بيفاراسب Bîveresb في الشرفنانه . ويتم تصويره في الفلكلور الآري على شكل ثعبان ويُعتبر عيد النوروز هو اليوم الذي قُتل فيه الضحّاك. ويعتبر أيضاً في الفلكلور الإيراني الهندي المشترك كالوحش الذي يمسك المياه السماوية ويسبب الجفاف،لكنه هُزم في النهاية على يد بطل في أسطورة إندرا و فريترا İndra and Vritra في الريج فيدا Rig Veda. ↩︎