
في رسالة كتبها إلى صديقه الكاتب والصحفي فيكتور بليبين في 14 فبراير 1886، عبّر أنطون تشيخوف عن ولائه العميق لمهنة الطب، التي وصفها بأنها “المعطف” الذي لن يخلعه حتى يحين موعد التابوت. ومع ذلك، لم يفترق تشيخوف عن الأدب، بل ظلّ متجذرًا فيه، رغم ازدواجية التزاماته بين الطب والكتابة.
لم يكن العدد الدقيق لأسماء تشيخوف المستعارة معروفًا، لكن المؤكد أنه تجاوز الخمسين. بين هذه الأسماء نجد “ماكار بالداستوف”، “دون أنطونيو تشيجونتي”، “طبيب بلا مرضى”، “شيلر شيكسبيروفيتش جوته”، “هايكا رقم 6”، “رجل لامع”، “شاعر بروزيك”، “بورسيليبيتانوف”، “شقيق أخي”، “رجل بلا طحال”، “شمبانيا”، “العقيد كوتشكاريف”، “فاسيلي سبيريدونوف سفولاشيف”، “الرجل الصغير”، “أكاكي تارانتولوف”، “نيكتو”، و”أرشيب إنديكين”، وغيرها الكثير.
كان أول وأشهر ألقاب تشيخوف المستعارة هو “أنتوشا تشيخونتي”، الاسم الذي وقّع به قصصه الساخرة الأولى، والذي ظهر على أغلفة مجموعاته المبكرة، مثل حكايات ميلبومينا (1884) وقصص ملونة (1886). وقد أطلق عليه هذا الاسم أحد أساتذته في مدرسة تاجانروج، فيودور بوكروفسكي، الذي كان يهوى تحوير أسماء تلاميذه بروح فكاهية. ومن حين لآخر، اشتق تشيخوف من هذا الاسم تنويعات مختلفة، مثل “أنتوشا تش***”، “تش. جونتي”، و”دون أنطونيو تشيجونتي”.
عندما بدأ تشيخوف النشر في الصحف نفسها التي كان يكتب فيها شقيقه الأكبر ألكسندر عام 1883، اختار في البداية التوقيع بـ”أ.ب. تشيخوف” لتجنب اللبس. لكنه سرعان ما استحدث اسمًا مستعارًا جديدًا: “شقيق أخي”، في إشارة مازحة إلى وضعه ككاتب ناشئ في ظل شقيقه الأكبر.
أما الاسم المستعار الثاني الأهم في مسيرته، فكان “رجل بلا طحال”، وهو لقب اتخذه أثناء دراسته في كلية الطب بجامعة موسكو. وقّع به قصصه ومقالاته الفكاهية على مدى عقد من الزمن، مستخدمًا أحيانًا اختصارات مثل “Ch. minus the C.”، و”تش…س.”، و”С…Ч.”. ويرى بعض الباحثين أن هذا اللقب مرتبط بنظرية طبية شاعت في القرن الثامن عشر، تفترض أن الطحال مسؤول عن حالات الكآبة والوساوس القهرية.
لم يكن تشيخوف مخترع الألقاب الطريفة لنفسه فحسب، بل امتدت روح دعابته لتشمل المقربين منه. فقد كان يلقب زوجته الممثلة أولغا كنيبر بأسماء مثل “تمساح روحي”، “سمكتي”، و”كلبي في الخارج”. أما صديقه الفنان إسحاق ليفيتان، فقد لقّبه بـ”ليفياثان”، بينما منح الصحفي فلاديمير جيلاروفسكي اسمًا مستعارًا طريفًا: “العم جيلاي”.
كما كان لتشيخوف شغف خاص بتوثيق الأسماء الطريفة في دفاتره، حيث دوّن أسماء غريبة تخيّلها لشخصياته الأدبية، مثل: “لقب امرأة: بيغلت”، “تلميذ صغير يُدعى تراختنباور”، و”لقب – أوزة، وعاء، محار”.
وحتى الحيوانات لم تكن بمنأى عن نزوعه الفكاهي، فقد أطلق على كلبيه اسمين مميزين: بروم إيسايفيتش وهينا ماركوفنا، بينما سمّى النمس الذي أحضره من سيلان بـسفولوك.
كان أنطون تشيخوف، بروحه المرحة، يتلاعب بالكلمات كما يتلاعب القدر بشخصياته، يمنحها أسماءً ساخرة بقدر ما يمنحها مصائر مأساوية. ومن خلال أسمائه المستعارة، ترك بصمته ليس فقط في الأدب، بل في فن التوقيع على الحياة بروح الدعابة والذكاء اللغوي الفريد.
———
الصورة: تشيخوف و أولغا ليوناردوفنا كنيبر ١٩٠١ من موقع ru
المصدر: ويكيبيديا







