
في سياق التحوّلات الكبرى التي تشهدها المنطقة، ومع توالي المشاهد القاسية في الحياة السورية، صدرت عن دار نوس هاوس للنشر والترجمة والأدب في هولندا، المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر والكاتب الكردي السوري إدريس سالم، تحت عنوان «مراصدُ الروح»، وهي العمل الشعري الثاني له بعد «جحيمٌ حيّ»، وقد جاءت هذه المجموعة في 120 صفحة من القطع المتوسط، متضمّنة ثلاثاً وعشرين قصيدة، كتبها الشاعر خلال الفترة الممتدة بين عامي 2019 و2025.
تغوص قصائد المجموعة في الأسئلة الكبرى للذات والهوية والقدر، وتمسّك واضح بملامح الواقع السوري الراهن، من السجون والمعتقلات السرّية، إلى لحظات التحرير والانعتاق، مروراً بالحبّ، الخذلان، والموت الذي يتربّص بالهاربين من الحرب والقدر على حدّ سواء.
وتظهر في النصوص ملامح تأمّلية عميقة، حيث يعيد الشاعر قراءة الواقع من خلال سرد شعريّ داخلي، يتقاطع مع سيرته ومع سيرة بلدٍ يقف على حافة الانهيار والبحث عن المعنى.
القصائد ليست فقط تأملات في المنفى أو رثاء لمرحلة، بل هي محاولة لتوثيق الوجع الإنساني بصوت شخصيّ عالٍ وصادق، حيث يحضر صوت المعتقل، وصوت المرأة، وصوت الابنة”هيما” التي تصلّي لأبيها في لحظات الفقد، وحيث يتلاشى الزمن وتغدو الأسلاك الحدودية رموزاً للفصل بين الروح وظلالها.
و على غلاف المجموعة نقرأ جزءاً من صوت المؤلّف وهو يتحدث عن دوافع الكتابة، فيقول:
«كتبتُ هذه القصائد، وأنا أسأل نفسي: “أأنا إنسان؟!”، وإن كنتُ إنساناً، فإلى أيّ عرق أنتمي؟! أنا كردي. أجيب نفسي بقوة… كتبتُها وأنا أراقب جنازة تأخرت يومين لعبور الحدود، وكنتُ أحضن إغماءات “هيما”، وأسمع صراخها: كنتُ أصلّي لك يا أبي…».
اللوحتان اللتان تزيّنان الغلاف الأمامي والخلفي من إنجاز الفنّان التشكيلي الكُردي ديلاوَر عمر، ابن مدينة ديرك، فيما تولّى التدقيق اللغوي الأستاذ محمد شيخو، وصممت الدار الغلاف والإخراج الداخلي.
تنتمي النصوص إلى مناخ شعريّ يمزج بين التأمل الفلسفي والسرد الوجداني والاحتجاج السياسي، وترصد تحوّلات ما بعد الحرب، وسقوط الأنظمة، والبحث عن كرامة مفقودة.
وتأتي المجموعة بعد إصدار سالم الأول «جحيمٌ حيٌّ» (2020)، الذي صدرت له ثلاث طبعات متتالية، كان آخرها عن دار نوس هاوس أيضاً. أما «مراصدُ الروح» فهي بمثابة استكمال لمشروعه الشعريّ الذي يسعى فيه إلى إعادة الاعتبار للذات والهوية والانتماء، في ظلّ واقع مشوّه بالحروب والطغيان والطائفية.
إدريس سالم، من مواليد قرية بُورَاز التابعة لمدينة كوباني الكردية السورية، مقيم في تركيا، عمل مدرساً للغة العربية، وشارك في تحرير عدد من الصحف والمنصات الثقافية. يشغل حالياً إدارة “مكتبة فيرمين للكتاب”، وهو عضو في تحرير جريدة وموقع “سبا الثقافية”.
في «مراصد الروح»، يظهر الشاعر أكثر نضجاً وتأمّلاً، محاولاً أن يُبقي الشعر بوصفه مساحة إنقاذ، ومكاناً لتذكير العالم بما حدث، وما يحدث، وما قد يحدث لاحقاً. إذ يقول في تصريح سابق له:
“هذا الكتاب هو صوت المعتقلين والمعذبين والمنسيين… أولئك الذين قاوموا ليس من أجل سقوط النظام فحسب، بل من أجل أن تبقى الحياة ممكنة”







