
نوفليت: ره فين, للكاتب أمجد عوبيد
الرواية القصيرة,( نوفيلا) قيرين عجو
تعدّ الرواية القصيرة التي اشتقت أسمها من كلمة إيطالية التي تعني الجديد, فهي أطول من القصة, وأقصر من الرواية.(1)
وفي مقالة للكاتبة أمانة أسعد أشارت إلى أنّ الرواية القصيرة هي نوع مهم من أنواع الفنون الأدبية، وهي تجمع بين أدبين مهمين، وهما الرواية والقصة القصيرة..
وقد تم تعريف الرواية القصيرة بين النقاد والدارسين بأنها النص السردي الذي يغلب عليه تقنية الرواية مما يجعلها سريعة الإيقاع، و تشمل في ذات الوقت على تقنية القصة الطويلة..
وتتشابه الرواية القصيرة مع الرواية الطويلة في فن السرد, وأنّ كيليها يتناول مشاكل الحياة، ومواقف الإنسان، ويعبر عن خلجات نفس راويها بطريقة فنية أدبية إبداعية وفي ظل حبكة مؤثرة.
ويتراوح عدد صفحاتها ما بين 50 إلى 100 صفحة، أي عدد كلماتها ما بين 10000 إلى 20000 كلمة.(2) وذكر الكاتب حارب الظاهري، أنّ حجم أي رواية يعتمد على موضوعها وفكرتها، فهو غير محكوم بعدد معين من الكلمات؛ حيث إنّ الفن لا يخضع لمثل هذه التوصيفات والقيود الصارمة، فبعض الروايات طويلة لأن فكرتها تتطلب ذلك، بالتالي هي لا تصلح للاختزال، كذلك، فإن بعض الأعمال الأخرى يكمن جمالها وتألقها في اختصارها المعنى والمسافة والوقت المبذول في القراءة، وذلك لأن موضوعها يصلح لأن يعالج عبر عمل قصير بوصف موجز وحدث مركزي واحد ووجهة نظر معينة للواقع، وكذلك زمان ومكان لهما طبيعة خاصة، وقد أثبت مثل هذا النوع السردي نجاحه بالفعل(3)
ويرى القاص والروائي السوري «عدنان فرزات» أن كل من القصة والرواية ينضويان في النهاية تحت غطاء السرد، أي أنهما من جنسٍ أدبي واحد، و هناك أراء كثير حولها(4).
الكاتب قد استوفى عناصر الرواية القصيرة جميعها، لكن قبل أن نغوض في معالم هذه الرواية القصيرة، سوف أقف عند عنوان الرواية.
ره فين ( الهروب): قد ندرسه من خلال وظيفتين، الوظيفة القصدية، وهي تقصد اختيار الكاتب عنوانه “ره فين” والربط بين اسم بطل الشخصية الأساسية وبين أحداث الرواية ومجرياتها. وهذه الوظيفة كما أشار إليها الدكتور خالد حسين في كتابه ” في نظرية العنوان”(5) لها حضور عند رومان ياكبسون باسم الوظيفة الانفعالية، وتهدف هذه الوظيفة المركزة على المرسل إلى أن تعبر بصفة مباشرة عن موقف المتكلم تجاه ما يتحدث عنه.
فماذا كانت الوظيفة القصدية للكاتب في إطلاق عنوان (ره فين) وهو إسم الشخصية الرئيسية في الرواية القصيرة.
هل كان قصد الكاتب توجيه ذاكرة القارئ المتلقي نحو ماحدث سنة 1991 (حالة الهروب الجماعي) ؟ وذلك من خلال عنوان روايته المرتبطة بحدث متعلق بذاكرة الشعب الكوردي أثناء هروبهم من النظام البعثي باتجاه الجبال، والحدود التركية.
أما النقطة الثانية( ره فين) هو الجانب النفسي من الرواية القصيرة، الهروب بالذاكرة إلى الماضي، وماخلفه من آثار مدمرة على حياة ونفسية الشخصيات في الرواية.
أما الوظيفة الثانية فهي الوظيفة التأثيرية وماتركه العنوان من أثر على مخيلة القارئ وما خلفه من تبعياته. وهل حققت الرواية القصيرة غرضها، واستطاع أن يؤثر على ذهن المتلقي (القارئ)
وهل أعطى أبعاداً جديدة لمخيلة القارئ؟
العنوان مؤلف من كلمة واحدة لكن على ماذا يدل؟
أولاً يدلّ على اسم بطل الرواية القصيرة.
ثانياً : ربطه أحداث الهجرة (الهروب الجماعي) الذي حصل سنة (1991) مما جعلهم يلجؤون نحو الحدود التركية كما ورد في الصفحة ٤٨ من الرواية.
في أثناء سرد الرواية يقال أنّ سبب تسمية بطل الرواية ب ره فين إلى حادثة ولادته في ذلك اليوم عندما هربوا إلى الجبال.
ثالثاً: هروب البطل من واقعه نحو حياة أفضل و هروبه من تحمل المسؤوليات.
رابعاً: الهروب النفسي لشخصيات الرواية القصيرة واختيار الحل السهل، هروب جيل الشباب من المسؤوليات الملقى على عاتقه، كما ورد في الصفحة السابعة من الرواية.
عناصر الرواية
الحدث :
أحداث الرواية تدور حول شخصية ره فين و تواجده في الدائرة الحكومية، مروراً بانتقاله إلى دائرة أخرى، وتعرفه على شه فيار(عاشقة الليل)، وعلاقة الحب التي تنشأ بينهما ومواجهته النهاية الحزينة لموت شه فيار.
أمّا الشخصيات الرئيسية، فهما(ره فين) وهو الذي كتبت عنوان الرواية القصيرة باسمه.
الشخصية الثانية هي (شه فيار) التي تصبح حبيبة ره فين.
وهي في الأربعين، أرملة ومطلقة، لكنها مازالت تمتلك جاذبية التي جعلت من ره فين يقع بحبها.
أما الشخصيات الثانوية فهو أيشو الذي من خلاله يتعرف على شه فيار.
الزمان:
ركز الكاتب على فكرة الزمان وأعطاها أهمية، فالرواية بدأت بتحديد الزمان عندما قال،
ده م ژمير نه ه ونيف سبيدى”(6)
أي الساعة التاسعة والنصف صباحا.
أيضاً عندما أعطى المدة الزمنية على مسافة الطريق من البيت إلى الفرن. والتركيز على أعمار الشخصيات.
ولا ننسى الحدث الأهم وهو زمن الهروب، وكيف كانت نسبياً في تسمية الرواية.
المكان:
الأحداث تجري في مكان واحد وهي الدائرة الحكومية التابعة لمحافظة دهوك.
ومن خلال المكان تتداخل الشخصيات، ويرحل بنا ذاكرة (ره فين و شه فيار) نحو أماكن أخرى منها القرية ومدينة الموصل وبغداد.
اعتمد الكاتب السرد والحوار في روايته من خلال الشخصيات، وخاصة الحوار الذي كان يجري بين ره فين. و شه فيار.
و حوار ره فين مع موظفين الدائرة الخكومية.
أما اللغة التي اعتمدها الكاتب هي اللغة الكوردية البادينية، التابعة لمدينة دهوك.
تقصّد الكاتب اختيار عبارات سهلة وبسيطة ومتداولة بين عامة الشعب.
أما عن الأسلوب، اعتمد الكاتب الأسلوب السهل من خلال سرد الرواية، وجعلها سلسة و قريبة من ذهن القارئ، ولا تحتاج إلى شرح أو بحث، لكن بالنسبة للقارئ الذي لا يعيش في نفس المحافظة قد يجد صعوبة في بعض المصطلحات الخاصة بمنطقة دهوك.
من ناحية أخرى استخدم الكاتب اقتباسات مثل الحكم والمقولات المشهورة في خدمة أقصوصته. كما ورد في صفحة:
“ضرب عصفورين بحجر واحد” (5)
اختيار مقولة لماركس، وأقوال الأجداد و غيرها.
حجم الرواية
حجم الرواية متوسطة تتكون من( 83) صفحة.
تأثير اللون الرمادي على الرواية و مجرياتها:
اختار الكاتب تصميم الغلاف باللون الرمادي وهو لون هادئ، مزيج من الأسود والأبيض.
أي أنه “ليس هناك شر كامل ولا خير كامل”
لذلك أردت أن أتوقف عند تأثير هذا اللون على الرواية ومجرياتها.
هل كان الكاتب متقصد اختيار ذلك اللون، أم أنّ مصمم الغلاف أدرك خلفية الرواية فأعطاها هذا اللون؟(7)
إذا تنقلنا بين مجريات الأحداث في الرواية القصيرة، من خلال الدوام، نلاحظ أنّ بطل الرواية لا يداوم بشكل كامل، فقط اختار بالشهر عشرة أيام، و يقسمها خلالها.
حتى عندما انتقل إلى مديرية أخرى اختار يومين فقط في الأسبوع ليأتي إلى مكتبه. فهو اختار الحل الوسط أي بين بين.
في شخصية شه فيار المرأة التي تمتلك جانبين الأسود والأبيض، عند دمجهما يتشكل اللون الرمادي.
طبعاً شخصيتها تبدلت حسب الصدمات التي تلقتها في حياتها، و جعلت (Novlet)منها أنثى قوية من الخارج و ضعيفة من الداخل,أما عن شخصية ره فين الذي يحاول الهروب من تحمل المسؤولية، فطغت عليه شخصية الإنسان الذي لا يتدخل بأمور الدولة و يتجاوزها من خلال تقليل عدد أيام الدوام وإضافة إلى هروبه لحظة حبه لشه فيار، التي ماتت إثر الصدمة، عندما تخيلت أن ره فين قد تخلى عنها.
الحياة في الرواية تحولت إلى اللون الرمادي، فالإنسان بشكل عام لا يستطيع أن يعتمد الخير المطلق، أو الشر المطلق.
دائما الإعتدال بالأمور أفضلها.
مثلا عندما اختار الناس النزوح و الهروب من اعتداءات النظام سنة 1991 إلى الجبال أو الحدود التركية، لم يختاروا الهروب الكامل، أنما تركوا لأنفسهم خط الرجوع. فلم يكن هروبا كلّيا، إنما نزحوا إلى مكان قريب من منطقتهم.
في نقطة أخرى، هو الهروب من مسؤولية العمل، فلم يكن هروبا كاملاً، إنما اختار الحل الوسط. في تحديد عدد الأيام لكل موظف.
في النهاية:
نجد أن الرواية أوفت جميع عناصر الرواية، و أعطى الكاتب كل عنصر خصوصيته و جماليته، و لا ننسى تأثير اللون الرمادي على الرواية. محاولة التوازن بين مجريات الأحداث.
الحواشي:
1-ويكبيديا
2-ويكبيديا
3-مقالة الرواية القصيرة, موضة جديدة في الأدب, علاء الدين محمود
4-موقع القدس العربي (المؤتلف و المختلف بين القصة و الرواية)
5-انظر صفحة (98-99)من كتاب في نظرية العنوان, خالد حسين.
6-انظر صفحة
7-تصميم الغلاف : عبدالرحمن بامرني