امرأةٌ ناقصة مقابل كلّ رجل!

محمود محمد نعسان

في اقتباسٍ من روايتي “جِبايةُ الحرب” الصادرة حديثاً عن دار مختلف للنشر والتوزيع – مصر، نشرتُ على صفحتي في فيسبوك مقطعاً أقول فيه:

“لا زالت المرأة في القرن الواحد والعشرين تتبع الرجل، وتُغصب على الزواج، ولا تستطيع أن تتحدث عن أفكارها وآرائها بحرية كحرية الرجل”.

أثار هذا الاقتباس نقاشاً مع أحد الأصدقاء، الذي رأى أن النص يحمل نزعةً نسويةً مبالغاً فيها لا تنسجم مع واقعنا الاجتماعي. لكنه –برأيي– تجاهل أن ما كتبته لم يكن تنظيراً عاطفياً أو موقفاً دعائياً، بل توصيفاً لواقعٍ معاشٍ، ما زال يُعاد كلّ يوم رغم التقدّم والانفتاح والتطور الحقوقي العالمي.

المرأة بين التقدّم والموروث

من المستغرب حقاً أن تبقى المرأة في مجتمعاتنا أسيرةً لسلوكياتٍ تعود إلى عصورٍ تجاوزها العالم. فبينما أصبح للأطفال والنبات والحيوان حقوقٌ مصانة، لا تزال المرأة تُقمع وتُمنع من تقرير مصيرها، وكأنّها كائن تابع لا يملك ذاته.

الإجابة على سؤال: لماذا ما زالت المرأة مهمشة؟ تكشف حجم التناقض بين التقدّم الشكلي والتخلف البنيوي في نظرتنا إليها.

أولاً: الرجل شريكٌ في التهميش

يحمل الرجل –زوجاً كان أو أباً أو أخاً أو ابناً– النصيب الأكبر من مسؤولية تغييب المرأة. فهو يبرر تبعيّتها باعتباراتٍ مجتمعيةٍ أو دينيةٍ أو عرفية، ويستفيد من إبقائها في دائرة الجهل والخوف، لأن ذلك يُسهل عليه السيطرة عليها ويُبقي “عرشه الذكوري” آمناً.

هذه الذهنية ليست جديدة؛ فالنظرة الدونية إلى المرأة تمتد منذ الفلسفة الإغريقية حين ازدرى أفلاطون أمه لأنها أنثى، مروراً بعباس العقاد الذي رأى أن جمال المرأة وُجد لإمتاع الرجل، وصولاً إلى الطنطاوي الذي اعتبر الرجال أجمل من النساء!

لقد جعل الرجل من المرأة “كائناً ناقصاً” عن قصدٍ أو عن جهل، تماماً كما تفعل الأنظمة المستبدة التي تُبقي شعوبها في الجهل لتضمن استمرار حكمها.

ثانياً: المرأة شريكةٌ في تهميش ذاتها

لكنّ المرأة أيضاً تتحمّل جانباً من المسؤولية حين ترضى بتبعيتها، ولا تسعى لاكتشاف ذاتها أو انتزاع اعتراف المجتمع بها كإنسانةٍ كاملةٍ مستقلة.

تقبَل أن تُعرَّف بأنها أم فلان أو زوجة فلان دون أن يكون لها اسمٌ مستقلّ، ومن لا يملك اسماً لا يملك ذاتاً.

في الماضي كان جهل المرأة مبرّراً بقلة المعرفة وصعوبة الوصول إليها، أما اليوم فالمعرفة متاحة، لكن المشكلة أصبحت في الكسل المعرفي والإرادي.

كثيراتٌ يركّزن على المظهر الخارجي أكثر من بناء الذات، أو يحاولن تقليد الرجل في صفاته بدلاً من تحقيق ذواتهن بخصوصيتهن الأنثوية، فيتحول الرجل –بالمفارقة– إلى معيارٍ لتفوّق المرأة!

ثالثاً: الطريق إلى التوازن

تحسّن وضع المرأة خلال القرن الأخير بلا شك، لكنها لا تزال تعاني على مستوى الشراكة الوجودية مع الرجل. فما زال الميزان يميل لصالح “رجلٍ مقابل امرأةٍ ناقصة”.

ولن يتحقق التوازن إلا حين:

-تعترف المرأة بذاتها كندٍّ للرجل، مع احترام الفروق الطبيعية بينهما.

-تعرف حقوقها وواجباتها، وتطالب بالاعتراف بها لا بالمنة عليها.

-تتضامن النساء مع بعضهن، لأن المرأة كثيراً ما تكون عدوة المرأة، كما في علاقة الحماة بالزوجة حيث تتحول المنافسة إلى صراعٍ خفيٍّ معلن.

ختاماً:

نضال المرأة الحقيقي ليس ضد الرجل، بل من أجل ذاتها؛ لا لإلغاء الرجل، بل لتأكيد وجودها الإنساني الكامل إلى جانبه.

فالتحرر لا يكون بتأنيث كل شيء، ولا باسترجال الأنثى، بل بتصالحها مع ذاتها وإدراكها أن المساواة الحقيقية تبدأ من الداخل، من الوعي، لا من الحرب